الجمعة، 27 مايو 2016

اسباب رفض المريض العلاج النفسي ؟

اسباب رفض المريض العلاج النفسي ؟
تقول د مها محمد يمتاز المجتمع العربي بنظراته الخاصة ومفاهيمه المميزة للعلاج النفسي . ولا يمكن لأي شخص ( أو مدرسة أو مجموعة ) أن يتنكر لخصائص مجتمع ما حتى ولو كانت هذه الخصائص وليدة تفسير خاطئ وغير منطقي للحقائق . ولكن المجتمعات الراغبة في التطور لابد أن تتخلص من شوائب الإشاعات وأن تقضي على غابات الجهل الكثيفة التي تحول دون التعامل مع الواقع بالموضوعية اللازمة . هذا إذا كانت هذه المجتمعات راغبة فعلاً في التطور . فإذا رفضته أو خافت منه فإنها تلجأ إلى الحيل لإيجاد تبريرات " منطقية " للواقع تمهيداً لقبوله دون أي تغيير .
عدم انتظام المريض على العلاج هي إحدى أهم المشاكل التي تواجه الطبيب النفسي أثناء علاجه لمريض الفصام. وهي أيضاً السبب الأول للانتكاسة وعودة المرض مرة ثانية.
وهنا سنورد أهم الأسباب التي تدعو المريض لترك العلاج:
1. العائلة:
نعم فعائلة المريض التي لا تقدم له الدعم النفسي ولا تحثه على أخذ العلاج هي من أهم أسباب معاناة المريض. لقد شهدنا عددا من الأسر اللاتي نصحوا مريضهم بترك العلاج وأوحوا له بأنه سليم ومعافى وأن الأدوية النفسية تسبب الإدمان ولا تعالج المرض وإنما فقط أدوية منومة وهذا مفهوم خاطئ .
2. عدم قناعة المريض بأهمية العلاج وأن له دور وقائي في منع حدوث نكسة المرض. ولذا يجب أن يأخذه المريض حتى مع شعوره بالتحسن.
3. الأعراض الجانبية للعلاج: وهذا سبب شائع جداً لكن الخبرة والدراسات علمتنا أن جميع الأعراض الجانبية غير خطيرة ولا يدوم معظمها حتى مع أخذ الدواء. و يمكن التعامل معها سواءً بإعطاء علاج آخر أو تخفيف الجرعة أو اختيار نوع جديد من الأدوية المضادة للفصام. ودعونا نتذكر أن شهد العسل لا يمكن أن نحصل عليه ما لم نتحمل لسعات النحل.
4. الملل من أخذ العلاج كل يوم لمدة طويلة. ودائماً ما كنا نقول لمرضانا أن هناك أشخاصاً كثر يأخذون أنواعاً من الأدوية بشكل دائم ومستمر مثل مرضى السكر والضغط وفشل القلب وغيرهم. بل إن مرضى السكر الشبابي يضطرون لأخذ حقن تحت الجلد أكثر من مرة يومياً طوال حياتهم وليس مجرد حبوب مرة أو مرتين يومياً !!
5. الشعور بالوصمة وإنكار وجود مرض نفسي وإيعاز ذلك للمس والشياطين وغير ذلك. وعندئذ يترك المريض الدواء ويبدأ رحلة من العلاج عند الشيوخ والقراء أو عند المشعوذين والسحرة –والعياذ بالله- حيث يقبل المجتمع الذهاب إليهم بينما لا يقبل الذهاب إلى الطبيب النفسي.
6. عض الأطباء ذوي الفروع الأخرى والمختلفة من الطب والصيادلة الذين يحذرون المريض من تناول الدواء النفسي أو ينصحونه بعدم الاستمرار عليه؛ لكي لا يتحول إلى مدمن! وهذا مفهوم خاطئ تماما ، واسمحوا لي أن أوضح لماذا وصل إليهم هذا المفهوم ، فهذا يعود إلى قصورهم في الاستزادة من التعرف على المرض النفسي والأدوية الخاصة من خلال المعلومات والتدريس فهناك بعض الأدوية النفسية التي تستخدم كمهدئات ومطمئنات ومنومات تؤدي إلى التعود إذا استمر المريض عليها بدون استشارة الطبيب.
وبعض الأمراض النفسية المزمنة تستدعي العلاج المستديم؛ وليس بسبب إدمانه لها لكن بسبب طبيعة تلك الأمراض التي تحتاج إلى علاج ربما يمتد إلى مدى الحياة.
7. ومن الأسباب أيضا تعميق بعض المعالجين "الشيوخ" هذه النظرة في نفوس الناس, حيث يشترط بعضهم أن يتوقف المريض أولا عن تناول أدويته النفسية؛ لأنها –كما يزعمون- مخدرات تحبس الجن في العروق! وتمنع الشفاء، وهذا خطأ تماما ؛ مما يسبب تفاقم الحالة عند المريض وتزيدها سوءاً.
8. الشائعات الكاذبة :
تطول قائمة هذه الشائعات بحيث يصعب مجرد تعدادها ، حتى إن بعضها بات متداولا وكأنها حقائق ثابتة لا تقبل الجدل . وفيما يلي عينة منها :
- يمكن شفاء حالات الجنون دون دواء .
- الأدوية النفسية تسبب الجنون .
- يمكن للعلاج النفسي ( دوائي أو غير دوائي ) أن يلحق الضرر بالمريض .
- الأدوية النفسية سموم يجب الابتعاد عنها .
- كل زوار العيادة النفسية هم من المجانين .
- تستطيع العلاجات التقليدية أن تحل الأزمات والأمراض النفسية كافة .
- المرض النفسي ينجم عن السحر أو الكتابة أو هو من أعمال الشياطين .
ونكتفي بهذا القدر لننتقل إلى السبب التالي ..
9- القساوة النفسية :
لطالما أشدنا ، ولا نزال ، بترابط الأسرة العربية وبالأدوار النفسية والاجتماعية الخاصة التي يلعبها النظام الأسري العربي . ولكن هذا النظام ، مثله مثل سائر الأنظمة ، لا يخلو من ثغرات يمكنها أن تتحول إلى مآزق ومشاكل جدية في حال تجاهلها وعدم الحيطة لها . ولنأخذ مثلاً موقف العائلة العربية في حال إصابة أحد أفرادها بالمرض النفسي ، ولنقارن بين هذا الموقف وموقفها في حال إصابة أحد أفرادها بالمرض الجسدي .
10- انخفاض مستوى الوعي الصحي :
لسنا في مجال تعداد الآثار السلبية لواقع انخفاض هذا المستوى إذ يكفينا أن نذكر بمحاولات التهرب من حملات التلقيح . وفي هذا المجال يهمنا انخفاض مستوى الثقافة النفسية بحيث نلاحظ زيادة في نسبة ولادات الأطفال المشوهين ، إضافة إلى المواقف السلبية الأخرى المؤدية إلى رفض العلاج النفسي عامة والطبي النفسي خصوصاً .
11- المرض النفسي والخيال الشعبي :
استناداً إلى العوامل المذكورة أعلاه يحاط المريض النفسي العربي ( ومعه المرض ) بهالة من الغموض ، فتنسج حوله الحكايات ومنها ما هو في غاية الطرافة بحيث يمكنها أن تتحول إلى نكات ناجحة لولا اللهجة فائقة الجدية التي تروى بها هذه الحكايات . ويتجسد هذا التصور في أدبنا القصصي ( خاصة عند نجيب محفوظ ) بشخصية الشحاذ – المجنون الذي يلازم مقهى الحي في الغالب .
12- ـ العجز الطبي :
في هذا المجال ، علينا أن نقرر حقيقة واقعة ومفادها أن العجز الطبي يلعب الدور الأهم في نشوء هذه الإشكالات ، فلو راجعنا قائمة الأمراض التي يدعي المشعوذون معالجتها ، والتي تنسج حولها الحكايات ، لرأينا أن هذه القائمة تضم إلى جانب الأمراض النفسية جميع الأمراض التي لا يزال الطب عاجزاً أمامها . هذا في حين تغيب عن هذه القائمة كامل الأمراض التي يملك الطب علاجاتها الشافية . ومما تقدم يجب ألا نفهم هذا العجز على أنه عجز مطلق ، إنما مجرد ثغرات يدخل منها المشعوذون إلى ميدان الشفاء . فعلى صعيد الطب النفسي تحديداً ، فإنه بات اليوم قادراً على التحكم بمختلف المظاهر المرضية كما بات قادراً على شفاء القسم الأكبر من الأمراض النفسية المعروفة .
13- الخطأ الطبي :
تتميز مناقشة هذا الموضوع بحساسية كبيرة . لذلك نكتفي بالتذكير بتلك الفوارق في تشخيص الفصام واختلاف نسبه باختلاف المدارس . فالمريض نفسه يمكن أن يكون فصامياً لدى أحد الأطباء وغير فصامي لدى غيره . أضف إلى ذلك مساهمة بعض الأطباء في تدعيم " رهاب العيادة النفسية " لدى مرضاهم ، فنرى بعض أطباء الاختصاصات الأخرى يصفون المهدئات لمرضاهم ويحذرون من تلقيها من الاختصاصي ! .
14- الاقتباسات العربية :
غالباً ما تكون هذه الاقتباسات على شكل سيناريو لبعض الأفلام العربية . ويتم الاختيار بشكل عشوائي أو تجاري بحيث تؤدي هذه الأفلام دوراً بالغ السلبية له آثار خطرة من شأنها أن تدعم العوامل التي تشوه حقائق العلاج النفسي وحقيقة ما يدور في العيادة أو في مستشفى دمها النفسي ، بل إن هذا التشويه يطاول أحياناً شخصية المعالج نفسه . وفيما يلي عرض لبعض الوجوه السلبية لهذه الاقتباسات والإعدادات وبعض المسماة تأليف .
1- النهايات السيئة : في أحد الأفلام العربية تنتهي الرواية بموت البطلة انتحاراً لأن معالجها رفض أن يقيم معها علاقة عاطفية . وهذا الفيلم يوحي للمشاهد بأن للعلاج النفسي نتيجة من اثنين ، فإما أن يؤدي إلى قيام علاقة بين المعالج ومريضاته ، وإما أنه لا يعطي أيه نتيجة فتموت المريضة . وعليه فإننا لا ننتظر أن يتوجه مشاهدو مثل هذا الفيلم إلى العلاج … وهذا مجرد مثال .
2- شخصية الطبيب النفسي : تتراوح هذه الشخصية ، في هذه الاقتباسات ، بين الأقطاب التالية :
أ‌- الطبيب المعتوه أو المغفل .
ب‌- الطبيب الذي يستغل المهنة لأسباب سياسية أو مادية أو غيرها .
ج- الطبيب الذي يعامل مرضاه وكأنهم آلات .
د- الطبيب الذي يحاول أن يسيطر على مرضاه .
هـ- الطبيب / النجم الاجتماعي .
ويمكنك الاعتماد علينا د مها ود شادى
والواقع أن هذه الشخصيات ، الموجودة في الأفلام العربية والأجنبية على حد سواء ، ليست سوى انعكاس لآراء المرضى في أطبائهم ( حتى بعد الزيارة الأولى ) . وهذه الآراء تتضخم إما بحكم المرض وإما بحكم الجروح النرجسية . والواقع كذلك أن الرواية ( خاصة المنتجة سينمائياً ) تتغلغل إلى حد بعيد في لا وعي الجمهور الذي يتحول مع الوقت إلى مؤمن بها وكأنها من المسلمات .ومما يزيد الأمور تعقيداً أن المشاهد العربي بات مطلعاً على الأفلام الأجنبية ومتأثرا بها على نحو كبير . وهي ، كما رأينا لا تمارس تأثيراً خطراً على المشاهد الأجنبي في حين أنها بالغة الضرر بالمشاهد العربي . وتحصيناً لهذا المشاهد فقد آن الأوان لإنتاج الأفلام التي تظهر الأمور على حقيقتها دون تعريضها للتشويه .
15- الوجه الاجتماعي للمرض :
ثمة وجه آخر من الوجوه التي يهملها أدباؤنا وكتابنا الثقافيون ، ونقصد به موقف مجتمعنا من هذه الأمراض ، وهو موقف متمايز تبعا لنوع المرض ، بحيث نلاحظ إلصاق صفة الجنون بمجموعة متنوعة من الاضطرابات النفسية التي لا علاقة لها بالجنون ، في حين ينجو مجنون البارانويا من وصمة الجنون كما ينجو معه مريض الفصام العظامي والسلوك التشردي الفصامي . بل إن مجتمعنا يحيط بعض هؤلاء المرضى أحياناً بهالة من الغموض والماورائية . وهنا أجد من الضروري العودة إلى مؤلفات نجيب محفوظ وإشاراته المتكررة إلى هذه الحالات وموقف المجتمع منها ، ففي روايته حديث الصباح والمساء ، يتطرق محفوظ إلى كيفية إحاطة قاسم عمرو عزيز بهالة من الغموض والتصوف نتيجة لمواقفه (الناجمة أساساً عن إصابته بمرض الصرع ) الغامضة والمبهمة . بل إن محفوظ يصف لنا قدرة هذا المريض على استغلال هذه الوضعية استغلالاً مادياً جعله من المحظوظين مادياً في محيطه العائلي . وتتكرر هذه الإشارات في مؤلفات محفوظ فيعكس بعضها شخصية " مجنون الحي " وبعضها التفسيرات الشعبية لأسباب جنون بعض الشخصيات . ولكن هذه الإشارات بقيت ذات مستوى سطحي في تحليلها لهذه الشخصيات . كما يهمنا في هذا المجال مناقشة محاولة مميزة لمحفوظ ، عنينا بها همس الجنون ، حيث يوجه إدانة خفية إلى المجتمع وإلى بنيته .. وهو يطرح إشكالية الجنون بقالب يشبه إلى حد بعيد قالب المدرسة المعادية للطب النفسي كما أنها تقترب في بعض جوانبها من وجهات نظر الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو ، وبالرغم من عدم موافقتنا على هذه الطروحات فإننا نسجل سبقاً لمحفوظ وهو تحويره لصورة المجنون من إنسان مرعب مخيف وخطر إلى إنسان ذي خلفية صالحة وفكر قويم وضحية من ضحايا الفساد الاجتماعي . على أن هذا التحوير أصبح اليوم مدعما بعدد من الروايات والقصص والأفلام والمقالات والكتب التي باتت تتناول هذا الموضوع بطريقة أقرب إلى الواقع والحقيقة ، وإن كانت حمل في طياتها العديد من المغالطات بالنسبة لبقية الحقائق المتعلقة بالعيادة والممارسة النفسية
ولكن ما هي الحلول التي يمكن اقتراحها أمام هذه الوقائع والمغالطات ؟ إنها ليست بالسهلة وهي تقتضي مشاريع ثقافية موسعة سنحاول عرضها في الفقرة التالية :
* الاقتراحات والحلول :
تقول د مها محمد تلقى مسؤولية هذا الوضع على عاتق الثقافة العربية ككل . ومن هنا فإن مجمل الحلول التي يمكن اقتراحها تبقى ناقصة مالم تتكامل في مشروع ثقافي – عربي . فالمشاكل المعروضة في هذا الفصل لها معادلاتها في الميادين الأخرى ويكفينا هنا الإشارة إلى أننا نختار من الكتب العملية ما يلائم نزعاتنا . والمثقف العربي يقرأ اليوم هذا الكتاب على أنه الحقيقة ( أو حتى الحقائق ) العلمية المطلقة . وفيما يلي نعرض تباعا للاقتراحات التي نراها مناسبة لتخطي هذا الواقع ونبدأ بـ :
1- ضرورة قيام المدرسة العربية لعلم النفس والطب النفسي .
2- تشجيع تيار النقد النفسي في الأدب العربي .
3- استقاء الأمور من مصادرها . وهنا نذكر بأن فلوبير كتب رائعته مدام بوفاري انطلاقا من قراءته لنبأ انتحارها في إحدى الصحف ، فانطلق يدرس الحالة ويعاين الأمكنة حتى توصل إلى إخراج هذه التحفة التي خلدته .
4- ضرورة تدعيم المكتبة العربية وسد ثغراتها .
5- ضرورة العمل على إخراج التراث النفسي العربي إلى النور ، فهذا التراث إنما يحمل في طياته عناصر لا وعينا الجماعي وهويتنا النفسية التي نكاد نفقدها في بحر المشاكل المشار إليها أعلاه .
6- العمل على إصدار " سلسلة الرواية النفسية " التي تعمل على ترجمة الروايات النفسية الأجنبية والتعليق عليها بشكل يسمح للقارئ أن يفيد منها ولكن دون أن يقع في حبائل النقل العشوائي ومساوئه .

العلاج الأسرى والحب شعارنا
01025733386   -   01158795879

هناك 4 تعليقات:

  1. هو لا يعتقد فى نفسه المرض النفسى

    ردحذف
  2. بارك الله فى الدكتوره مها اشهد الله ان الحالات تتعالج بفضل الله ثم الدكتوره مها

    ردحذف
  3. ربنا يخليكى يا دكتوره مها ابنى ربا شفاه على ايدك كانت حالته صعبه جدا

    ردحذف
  4. بالتوفيق طرح جديد للمشكلة وفقكم الله

    ردحذف